فصل: شرح الثالث: الذي يجوز فيه الإظهار والإدغام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإقناع في القراءات السبع



.سادسهم حمزة:

وهو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي الزيات الفرضي التيمي، مولى لهم.
ويقال: هو مولى لآل عكرمة بن ربعي التيمي، ويقال: هو مولى لبني عجل، ويقال: هو من ولد أكثم بن صيفي، وأكثم من بني شريف، وبنو شريف من قبائل بني أسد بن عمرو بن تميم، قاله ابن دريد.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم: غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض، وكان صالحا ورعا ثقة في الحديث، وهو من الطبقة الثالثة.
ولد سنة ثمانين، وأحكم القراءة وله خمس عشرة سنة، وأمَّ الناس سنة مائة، وعرض عليه من نظرائه جماعة، منهم سفيان الثوري، والحسن بن صالح.
وتوفي بحلوان بموضع يقال له: "باغ يوسف" في خلافة أبي جعفر سنة ست وخمسين ومائة، وله ست وسبعون سنة.

.راوياه:

1- خلف، وهو أبو محمد خلف بن هشام بن طالب بن غراب بن ثعلب البزار الصلحي، من أهل فم الصلح.
إمام في القراءة، ثبت عند أهل الحديث، حدث عنه أحمد بن حنبل والأئمة.
ولد في رجب سنة خمسين ومائة، حكاه النقاش عن أبي الحسن بن البراء، وتوفي ببغداد وهو مختفٍ أيام الجهمية يوم السبت لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ومائتين في خلافة الواثق بالله، قاله غير واحد من أئمة أهل الحديث.
وقال ابن مجاهد: مات خلف وله ثمانية وستون عاما وستة أشهر، فعلى هذا مولده بعد سنة خمسين، والله أعلم.
2- وخلاد، وهو أبو عيسى خلاد بن خالد، قاله الحلواني، وقال مسلم: خلاد بن عيسى، وقال غيرهما: خلاد بن خليد الشيباني الصيرفي الكوفي، توفي بالكوفة، قال البخاري: سنة عشرين ومائتين.
أخذ القراءة عن أبي عيسى سليم بن عيسى الحنفي الكوفي عن حمزة، وتوفي سليم بالكوفة سنة ثمان، وقيل: سنة تسع وثمانين ومائة، وولد سنة ثماني عشرة ومائة.

.الإسناد:

أما رواية خلف: فقرأ بها القرآن كله على أبي -رضي عنه- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي داود، وأبي الحسن.
وقرأت بها على عياش، وأخبرني أنه قرأ بها على المغامي، وقرءوا على أبي عمرو، وقرأ على أبي الحسن طاهر بن غلبون، وقرأ على محمد بن يوسف الحرتكي بالبصرة، وقرأ على أبي الحسين أحمد بن عثمان بن بويان.
وقرأت بها القرآن كله على أبي القاسم شيخنا -رحمة الله- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي القاسم بن عبد الوهاب بالأندلس، وعلى أبي محمد عبد المجيد بن عبد القوي المليحي بمصر، وأخبراه أنهما قرآ بها على أبي علي الحسن بن محمد البغدادي، وأخبرهما أنه قرأ بها على أبي الفرج عبيد الله بن عمر بن محمد، يعرف بالمصاحفي، وأخبره أنه قرأ بها على ابن بويان.
وقرأت بها على أبي القاسم شيخنا -رحمه الله- وقال لي: قرأت بها على ابن عبد الوهاب، وقال لي: قرأت بها على أبي عبد الله الكارزيني، وقال: قرأت على أبي بكر الشذائي، وقال: قرأت على أبي الحسن بن شنبوذ.
قال ابن عبد الوهاب: وقرأت بها على أبي علي الأهوازي، وقال: قرأت على أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن الحسين، وقال: قرأت على ابن شنبوذ.
وقرأت بها القرآن كله ختمة واحدة أفردتها له على أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح، وأخبرني أنه قرأ بها على أبيه، وأخبره أنه قرأ بها على أبي علي البغدادي، وأبي العباس أحمد بن علي بن هاشم.
وقال لي أبو القاسم شيخنا -رحمه الله: قرأت بها على ابن عبد الوهاب وأبي محمد المليحي، قالا: قرأنا على أبي علي البغدادي، وقرأ البغدادي وابن هاشم
على أبي الحسن على ابن أحمد بن عمر الحمامي، زاد البغدادي: وأبي محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام.
قال ابن عبد الوهاب: وقرأت على أبي علي الأهوازي، قال: قرأت على أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري.
وقرأ الطبري والحمامي وابن الفحام على أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم.
وقرأ ابن شنبوذ وابن بويان وابن مقسم على أبي الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد، قال: قرأت على خلف، قال: قرأت على سليم مرارا لم يحصرها بعدد، وقرأ سليم القرآن عشر ختمات على حمزة.
وقرأت بها القرآن كله على أبي محمد عبد الله بن أحمد الهمذاني، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي عبد الله المعافري، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد مكي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي الطيب سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد عبد الله بن أحمد بن الصقر البغدادي الخزاز، وأخبره أنه قرأ بها على أبي بكر الآدمي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي أيوب سليمان بن يحيى الضبي، وقال أبو أيوب: قرأت على رجاء بن عيسى، وقال: قرأت على إبراهيم بن زربي، وقال: قرأت على سليم، وقال: قرأت على حمزة.
قال أبو جعفر: وهذا طريق الضبي عن رجاله عن حمزة، وقد حملته تلاوة ورواية من غير وجه، وأبو الطيب لا يحمل رواية خلف، فأصحابه يسندون عنه رواية خلف من هذا الطريق؛ لأن الضبي قرأ على خلف عشرين آية، فاعتدوا بتلاوته إياها عليه، وهي عند أهل النقل رواية على حيالها، وقد ذكر أبو العباس المهدوي أنه لم يجد بينها وبين رواية خلف خلافا، والله أعلم.
وأما رواية خلاد: فقرأت بها القرآن كله على أبي -رضي الله عنه- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي داود، وأبي الحسن.
وقرأت بها على عياش بن خلف، وأخبرني أنه قرأ بها على المغامي، وقرءوا ثلاثتهم على أبي عمرو، وقرأ على فارس.
وقرأت بها القرآن كله على شريح من محمد، وأخبرني أنه قرأ بها على أبيه، وأخبره أنه قرأ بها على أبي العباس بن نفيس، وقرأ أبو الفتح وأبو العباس على أبي أحمد، وقرأ أبو أحمد على أبي الحسن بن شنبوذ.
وقرأت بها القرآن من أوله إلى خاتمته على أبي القاسم -رحمه الله- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي القاسم بن عبد الوهاب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي القاسم علي بن محمد بن علي العلوي بحران، وأخبره أنه قرأ بها على أبي بكر النقاش.
وقرأ النقاش وابن شنبوذ على أبي بكر محمد بن شاذان الجوهري، وقال: قرأت على خلاد، وقال: قرأت على سليم على حمزة.
وقرأت بها القرآن كله على أبي محمد عبد الله بن أحمد الإمام، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي عبد الله محمد بن أحمد المقرئ، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد مكي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي الطيب سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وأخبره أنه قرأ بها على أبي سهل، وأخبره أنه قرأ بها على أبي سلمة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، وأخبره أنه قرأ بها على القاسم بن نصر المازني، وأخبره أنه قرأ بها على محمد بن الهيثم، وأخبره أنه قرأ بها على خلاد، على سليم، على حمزة.

.اتصال قراءته:

قال غير واحد عنه: إنه أخذ عن أبي محمد سليمان بن مهران الأعمش، قيل: عرضا، وقيل: سماعا للحروف حرفا حرفا، وهذا والعرض سواء، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب الأسدي مولاهم، وقرأ يحيى على جماعة من أصحاب عبد الله، أبي مريم زر بن حبيش، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي مسلم عبيدة بن عمرو بن قيس السلماني قاضي البصرة، وأبي شبل علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، وأبي عبد الرحمن الأسود بن يزيد النخعي، وأبي عائشة مسروق بن الأجدع الهمداني الوادعي، وأبي معاوية عبيد بن نضيلة الخزاعي، وقرءوا على عبد الله بن مسعود، وقرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقرأ أيضا حمزة على حمران بن أعين مولى بني شيبان الكوفي، وقرأ على يحيى بن وثاب كالأول، وقيل: بل قرأ على عبيد بن نضيلة نفسه، ويمكن أن يقرأ عليهما جميعا كما تقدم في سند ابن كثير.
وقرأ أيضا حمران على أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، وقيل: بل قرأ على أبي الأسود نفسه، وقرأ أبو حرب على أبيه، وقرأ أبوه على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقرأ أيضا حمزة على أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وكان ابن أبي ليلى ضابطا للقراءة، ويقال: إن حمزة عنه أخذ التحقيق.
وقرأ على المنهال بن عمرو وسعيد بن جبير، وقرآ على ابن عباس، وقد تقدم إسناده.
وقرأ أيضا محمد على أخيه عيسى، وقرأ أخوه على أبيه، وقرأ أبوه على علي بن أبي طالب.
وقرأ أيضا حمزة على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عن آبائه، وعلى أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أصحاب عبد الله، ولم يقرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر.

.سابعهم الكسائي:

وهو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الكوفي النحوي، مولى لبني أسد، واختُلف في تسميته الكسائي، فروينا عن عبد الرحيم بن موسى أنه سأله فقال: لأني أحرمت في كسائي، وقرأت على أبي الحسن بن كرز المقرئ عن عبد الوهاب بن محمد قال: قال لي الأهوازي: قال بعضهم: سمي الكسائي؛ لأنه كان من باكسايا، قرية من السواد.
قال أبو جعفر: إن صح هذا فهو من شاذ النسب كمروزي، والقياس باكساوي وباكسائي، قال: وقال آخرون: بل كان يتشح بكساء ويجلس في مجلس حمزة، فإذا أراد أن يقرأ يقول حمزة: اعرضوا على صاحب الكساء، فسمي الكسائي بذلك.
وكان صادق اللهجة، متسع العلم بالقرآن والعربية واللغة، وهو مادة نحويي الكوفة وعمدتهم.
توفي برنبويه، قرية من قرى الري حين توجه مع هارون إلى خراسان.
قال البخاري: سنة تسع وثمانين ومائة، وكذلك روينا عن أبي عمر الدوري، وكذلك ذكر ابن مجاهد، وقيل: سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين، وقال أبو محمد مكي: قيل: سنة ثلاث وثمانين، وهذا لم أر غير أبي محمد ذكره، وأراه وهما في عقد؛ لأنا روينا عن محمد بن يحيى الكسائي قال: توفي الكسائي سنة ثلاث وتسعين، والله أعلم، وهذه السنون كلها في خلافة هارون.

.راوياه:

1- أبو عمر: وقد تقدم ذكره.
2- وأبو الحارث: وهو الليث بن خالد المروزي، وقيل: البغدادي، ويقال: أبو الحارث المروزي آخر وهذا بغدادي، ذكر الأهوازي أنه توفي سنة أربعين ومائتين.

.الإسناد:

أما رواية أبي عمر: فقرأت بها القرآن كله على أبي -رضي الله عنه- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي داود، وأبي الحسن.
وقرأت بها القرآن كله على عياش بن خلف -رحمه الله- وأخبرني أنه قرأ بها على المغامي.
وقرءوا على أبي عمرو، وقرأ على فارس.
وقرأت بها القرآن كله على أبي الحسن شريح، وأخبرني أنه قرأ بها على أبيه، وأخبره أنه قرأ بها على أبي العباس بن نفيس.
وقرأت بها القرآن كله بعد تصنيفي لهذا الكتاب على أبي القاسم فضل الله بن محمد بن وهب الله المقرئ، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرئ، وأخبره أنه قرأ بها على أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الخزرجي المقرئ.
وقرأ فارس وابن نفيس والخزرجي على أبي أحمد السامري.
وقرأت بها القرآن كله على أبي القاسم شيخنا -رحمه الله- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي القاسم بن عبد الوهاب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي علي الأهوازي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي العباس وأحمد بن محمد بن عبيد الله التستري.
وقرأت بها القرآن كله على أبي محمد عبد الله بن أحمد الهمذاني، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي عبد الله محمد بن أحمد المقرئ، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد مكي.
وقرأت بها على فضل الله بن محمد المقرئ، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي محمد ابن شعيب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد مكي سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأخبرهما أنه قرأ بها على أبي الطيب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم البغدادي.
وقرأ السامري والتستري وأبو عبد الله البغدادي، ثلاثتهم على أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد، وأخبرهم أنه قرأ بها على أبي الزعراء عبد الرحمن بن عبدوس الهمذاني، وأخبره أنه قرأ على أبي عمر الدوري مرارا، وأخبره أنه قرأ على الكسائي.
وأما رواية أبي الحارث: فقرأت بها القرآن كله على أبي -رضي الله عنه- وأخبرني أنه قرأ بها على أبي داود، وأبي الحسن.
وقرأت بها على عياش، وأخبرني أنه قرأ على المغامي، وقرءوا على أبي عمرو، وقرأ على فارس، وقرأ على أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن، وقرأ على أبي القاسم زيد بن علي.
وقرأت بها القرآن جميعه على أبي القاسم شيخنا -رحمه الله- أخبرني أنه قرأ بها على أبي القاسم بن عبد الوهاب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي الحسن القنطري بمكة، وأخبره أنه قرأ بها على أبي عبد الله الحسين بن علان، وأخبره أنه قرأ بها على أبي عيسى بكار بن أحمد بن بكار، وقرأ زيد وبكار على أبي علي أحمد بن الحسن بن علي، يعرف بالبطي.
وقرأت بها أيضا على أبي القاسم شيخنا -رحمه الله- وأخبرني أنه قرأ بها على ابن عبد الوهاب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي علي الأهوازي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي الفرج الشنبوذي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي مزاحم موسى بن عبيد الله الخاقاني.
وقرأت بها القرآن كله على أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح، وأخبرني أنه قرأ بها على أبيه، وأخبره أنه قرأ بها على أبي الحسن بن محمد بن إبراهيم البغدادي.
وأخبرني أبو القاسم شيخنا قال: قرأت بها على ابن عبد الوهاب، وعلى أبي محمد عبد المجيد بن عبد القوي المليحي، وقرأ بها على أبي علي البغدادي.
وأخبرهم أنه قرأ بها على أبي الحسن أحمد بن عبد الله بن الخضر السوسنجردي، وأخبره أنه قرأ على أبي الحسن محمد بن أبي عمر النقاش، وأخبره أنه قرأ على أبي إسحاق إبراهيم بن زياد القنطري.
وقرأت بها القرآن كله على عبد الله بن أحمد الإمام، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سعيد المعافري المقرئ الفقيه الرجل الصالح، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد مكي.
وقرأت بها القرآن كله على أبي القاسم فضل الله بن محمد المقرئ بعد تصنيفي لهذا الكتاب، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن شعيب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي محمد مكي مرارا سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وأخبرهما أنه قرأ بها على أبي الطيب، وأخبره أنه قرأ بها على أبي الفرج أحمد بن موسى بن عبد الرحمن البغدادي، وأخبره أنه قرأ بها على أبي بكر بن مجاهد غير مرة.
وقرأ البطي والخاقاني والقنطري وابن مجاهد على أبي عبد الله محمد بن يحيى الكسائي الصغير، كلهم تلاوة إلا ابن مجاهد، فإنه روى عنه الحروف من غير عرض عليه، وقال: قرأت على أبي الحارث، وقال: قرأت على الكسائي.

.اتصال قراءته:

عرض الكسائي القرآن على حمزة، وعليه اعتماده في اختياره، وقد ذكرنا اتصال قراءته.
وعلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ذكرنا اتصال قراءته.
وعلى أبي عبد الرحمن عيسى بن عمر الهمذاني، وقرأ عيسى على عاصم بن بهدلة والأعمش، وقد تقدم سندهما، وقرأ عيسى أيضا على أبي عبد الله طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي، وقرأ طلحة على يحيى بن وثاب، وقد تقدم سنده، وعلى أبي عمران إبراهيم بن يزيد النخعي، وقرأ إبراهيم على علقمة والأسود، وقرأ على عبد الله، وقرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم.
وأخذ الكسائي أيضا الحروف عن جماعة من الكوفيين وغيرهم، منهم: أبو بكر بن عياش عن عاصم، وإسماعيل بن جعفر عن نافع، وزائدة بن قدامة عن الأعمش، وسمع من الأعمش حرفا واحدا، وهو: {من بطون إِمِّهاتكم} [النحل: 78] بكسر الهمزة والميم، وقال: لا أحفظ عنه غيره، يعني من الحروف.
قال أبو جعفر: فهذه الأسانيد على قدر ما يليق هذا المختصر، وقد تخطيت أسانيد لي فيها علو؛ لأني إنما تحريت النقل من طريق الشيخين أبي محمد وأبي عمرو -رحمها الله- أو من طريق يوافق طريقهما، وإنما يعرف مقدار أسانيدي هذه ويجلها من له علم بأهل النقل، وتمييز الأسانيد صحيحها من سقيمها، وعاليها من نازلها.
وأنا الآن آخذ في الأصول على ما شرطته، ثم أُتبعها الفرش مختصرا؛ لأنه من فهم أصول كتابي فهو لفرشه أفهم.
وإذا أجمع نافع وابن كثير على الحرف قلت: قرأ الحرميان، أو عاصم وحمزة والكسائي قلت: الكوفيون؛ لأن ذلك أخصر، مع أنه عرف جارٍ عند القراء، وبالله التوفيق.

.باب: الاستعاذة:

المحتاج إلى معرفته في هذا الباب لفظ الاستعاذة، وصورة استعمالها:
فأما لفظها: فلم يأت فيه عن أحد من السبعة نص، وقد قال أبو الحسن أحمد بن يزيد الحلواني: ليس للاستعاذة حد تنتهي إليه، من شاء زاد، ومن شاء نقص.
واختلف أهل الأداء فيها اختلافا شديدا، فقال لنا أبو القاسم -رحمه الله- عن أبي معشر، عن الرفاعي، عن الخزاعي: إنه قرأ على أبي عدي لورش: "أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم" وهي رواية أهل مصر عن ورش، فيما ذكر الأهوازي.
وبه قرأت على أبي القاسم من طريقه، وكذا روي ابن الشارب عن الزينبي عن قنبل، وليست رواية الزينبي في كتابي هذا، ولكني لا أزال أذكر الشيء من رواية لم أضمنها الكتاب على طريق الفائدة والتنبيه، وتنشيط القارئ إلى طلب تلك الروايات والبحث عنها، فاعلمه.
وقيل عن نافع أيضا: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم".
وقيل عن ابن عامر والكسائي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم" وبه أخذ أبو علي بن حبش في رواية السوسي، وأراه اختيارا منه كما اختار التكبير من {وَالضُّحَى} وكان يأخذ به لجميع القراء.
وقيل عن هبيرة عن حفص: "أعوذ بالله العظيم السميع العليم من الشيطان الرجيم".
وقيل عن حمزة: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" وقيل عنه أيضا: "أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم".
واختار بعضهم لجميع القراء: "أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي".
ولكل لفظ من ألفاظ الاستعاذة وجه يستند إليه، وقولهم: "الاستعاذة" يصلح بهذه الألفاظ كلها، ولا يعين واحد منها.
والذي صار إليه معظم أهل الأداء، وأختاره لجميع القراء: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لما روى عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وجبير بن مطعم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه استعاذ عند القراءة بهذا اللفظ بعينه، وجاء تصديقه في التنزيل، قال الله عز وجل: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] فندبه إلى استعمال هذا اللفظ عندما يريد القراءة، والمعنى: فإذا أردت فقراءة القرآن.
وأما صورة استعمالها، فالقراء فيه على ثلاثة أقسام:
قسم ورد عنه إخفاؤها.
وقسم ورد عنه الجهر بها.
وقسم لم يرد عنه نص على إخفاء، ولا جهر.
القسم الأول:
ينقسم ثلاثة أقسام: الإخفاء في جميع القرآن وفاتحة الكتاب، والإخفاء في جميع القرآن إلا فاتحة الكتاب، والتخيير بين الإخفاء والجهر.
فأما الإخفاء في جميع القرآن وفاتحة الكتاب: فرواه خلف وأبو حمدون عن المسيبي عن نافع، وإبراهيم بن زربي عن سليم عن حمزة.
وأما الإخفاء في جميعه إلا فاتحة الكتاب: فرواه الحلواني عن خلف.
وأما التخيير: فرواه الحلواني عن خلاد.
وهل تدخل أم القرآن في التخيير؟
فعندي أنها لا تدخل؛ حملا على روايته عن خلف.
القسم الثاني:
روى القصباني عن محمد بن غالب عن شجاع عن أبي عمرو إخفاء الميم من "الرجيم" عند الباء من "بسم الله" إذا آثر الإدغام، وهذا يقتضي الجهر، وكذلك ورد عن أبي حمدون عن اليزيدي عن أبي عمرو أداء.
وذكر عثمان بن سعيد أن ما ورد عن أبي عمرو من الجهر أداء لا نص.
القسم الثالث:
سائر القراء لم يرد عنهم نص عن جهر، ولا إخفاء.
والمختار للجماعة الجهر بالاستعاذة، وقد صارت رواية الإخفاء عندهم كالمرفوضة، ورب شيء هكذا يروى ثم يسقط العمل به، وسيمر بك في هذا الكتاب من ذلك أشياء إن شاء الله.
قال أبو جعفر: الاستعاذة مقدمة على التسمية عند ابتداء القراءة لا عند انتهائها، سواء بدأت بأول سورة أو رأس جزء أو غيرهما، ولك أن تصلها بالتسمية في نَفَس واحد وهو أتم؛ لأنك تكمل الاستفتاح، ولك أن تسكت عليها ولا تصلها بالتسمية، وذلك أشبه بمذهب أهل الترتيل، فأما من لم يسم فالأشبه عندي أن يسكت عليها ولا يصلها بشيء من القرآن، ويجوز وصلها به، والله أعلم.

.باب: التسمية:

هذا الباب مقسم أربعة أقسام: حكم التسمية في أول فاتحة الكتاب وكل سورة مبدوء بها ما خلا براءة، وحكمها بين الأنفال وبراءة، وحكمها بين سائر سور القرآن، وحكمها في أوائل الأجزاء غير أوائل السور.
القسم الأول:
أجمعوا على إثبات التسمية في أول فاتحة الكتاب وكل سورة مبدوء بها ما خلا براءة، إلا أني قرأت عن الخرقي عن ابن سيف عن الأزرق عن ورش بتركها في فاتحة الكتاب سرا وجهرا، وهي رواية خلاد الكاهلي عن حمزة، ويجب على هذا ألا يسمي في أول كل سورة مبدوء بها، ولا يؤخذ بهذا.
على أن ابن شريح ذكر لنا عن أبيه أن حمزة إذا بدأ بأول سورة غير الحمد لم يسم، وإذا بدأ بالحمد سمى، وهذا غير مشهور لحمزة.
وقد حدثني أبو القاسم عن أبي معشر عن أبي علي الدقاق عن أبي الفضل الخزاعي قال: سمعت أبا بكر -يعني الشذائي- يقول: قرأت على الكوفيين وعلى أصحاب الضبي، وعلى أبي مزاحم بالجهر عن رءوس الآي، عند فاتحة الكتاب فقط.
قال أبو جعفر: فإذا كان أصحاب أبي عمارة يحافظون على التسمية في رءوس الآي وإن لم يكن أول سورة فهم عليها أول سورة أشد محافظة، وسألت أبي -رضي الله عنه- عن ذلك فأخبرني أن الذي نأخذ به لحمزة التسمية وبه آخذ، ولا أعلم أبا القاسم شيخنا شيخا إلا آخذا بالتسمية في ذلك، وقد نص عليه الأهوازي عن خلف وخلاد.
على أن إجماعهم على إثبات التسمية في أوائل السور اختيار منهم واستحباب لا إيجاب، وقد جاء في صحيح الحديث البدء بأول سورة من غير تسمية.
القسم الثاني:
أجمعوا على تركها بين الأنفال وبراءة اتباعا لمصحف عثمان -رضي الله عنه- المجمع عليه، إلا أنه روي عن يحيى وغيره عن أبي بكر عن عاصم أنه كان يكتب بينهما التسمية، ويروى ذلك عن زر عن عبد الله، وأنه أثبته في مصحفه، ولا يؤخذ بهذا.
القسم الثالث:
قرأ ابن كثير وقالون وعاصم والكسائي بالفصل بالتسمية بين كل سورتين ما خلا ما ذكرنا.
ولك في الفصل ثلاثة أوجه: أن تقف على آخر السورة، ثم تسمي وتسكت، ثم تفتتح السورة الأخرى.
ولك أن تقف على آخر السورة، ثم تسمي وتصل بالتسمية أول السورة الأخرى.
ولك أن تصل التسمية بآخر السورة، وبأول السورة الأخرى.
ويمتنع وجه رابع: وهو أن تصل التسمية بآخر السورة، ثم تقف عليها دون وصلها بالسورة الأخرى؛ لأن التسمية إنما هي في الابتداء، لا في الانتهاء.
فأما حمزة فورد عنه ترك الفصل نصا من طريق الحلواني عن خلف وخلاد وغيره، وأصحابه يختارون له وصل السورة بالسورة إلا الأنفال ببراءة، فإنهم يأخذون له بالسكت بينهما.
ومن هولاء المختارين لوصل السورة بالسورة من يأخذ له بالسكت بين السور الأربع التي تذكر بعد، وإن التزمت السكت له في جميع القرآن فحسن.
ومن يأخذ له بوصل السورة بالسورة لا يلتزم الوصل البتة، بل آخر السورة عنده كآخر آية، وأول السورة الأخرى كأول آية أخرى، فكما لا يلتزم له ولا لغيره وصل رأس آية بأول آية أخرى كذلك لا يلتزم له وصل السورة بالسورة حتما، ألا تراهم رووا عنه أنه قال: القرآن عندي كالسورة الواحدة، فإذا سميت أول فاتحة الكتاب أجزأني، بين لي هذا أبو الحسن بن شريح، وقوله عندي هو الصواب وقد خولف فيه.
فأما ابن عامر فلم يأت عنه نص، والأكابر من القراء يأخذون له بالفصل، وبه قرأت له على أبي القاسم من الطرق المذكورة هنا، وبه كان يأخذ له النقاش وابن الأخرم وغيرهما.
فأما أبو عمرو وورش فلم يأت عنهما أيضا نص، واختلف أهل الأداء، فمنهم من أخذ لهما بالفصل، ومنهم من أخذ لهما بتركه.
وقد ذكر مكي -رحمه الله- أنه قرأ على أبي عدي بالفصل، وكذلك قال محمد بن شريح عن ابن نفيس عنه، وهو اختيار ابن شريح، وبه قرأت على أبيه.
وقال أبو الفضل الخزاعي عن أبي عدي بغير فصل، فدل هذا على أن أبا عدي كان يخير، وما خير إلا لعدم النص، على أن ابن مروان ذكر أنه قرأ على ابن سيف بغير فصل، قال: وذكر ابن سيف أنه قرأ كذلك على أبي يعقوب، وذكر أبو يعقوب أنه قرأ كذلك على ورش، وذكر ورش أنه قرأ كذلك على نافع.
وقرأت له على أبي القاسم من طريق الخرقي بغير فصل، وبه قرأت على أبي -رضي الله عنه- وبه أخذ الشيخان أبو محمد وأبو عمرو وأصحاب الأصبهاني من البغداديين، وغيرهم يأخذون لورش بالفصل.
والبصريون يأخذون لأبي عمرو بالفصل، والبغداديون يأخذون له بتركه، وكثير من الناس يأخذون لكل من لم يرد عنه الفصل بالفصل، ويقول: أوثره لفضله، هو اختيار محمد بن شريح، ومنهم من يخير القارئ، وممن لم يأخذ بترك الفصل لهم من يصل السورة بالسورة لما فيه من بيان الإعراب، ومنهم من يأخذ بالسكت لما فيه من الإشعار بتمام السورة، وكلاهما مذكور عن ابن مجاهد.
ومن الآخذين لهم بالوصل من يفصل بين أربع سور: المدثر والقيامة، والانفطار والمطففين، والفجر والبلد، والعصر والهمزة.
وقال الخزاعي: سمعت طلحة بن محمد يقول: كان أكثر قراءة ابن مجاهد وصل السورة بالسورة إلا في مواضع مخصوصة من القرآن، كان يعتمد أن يقف ويُوقِف عليها، من ذلك: {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة، لا أُقْسِمُ} [المدثر:56، القيامة: 1] وعند قوله: {يَوْمَئِذٍ لِلَّه، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [الانفطار: 19، المطففين: 1] وقوله: {وَادْخُلِي جَنَّتِي، لا أُقْسِمُ} [الفجر: 30، البلد: 1] يقف، وهو في ذلك يصل.
ولم يذكر عنه الخزاعي "العصر والهمزة" وكثير من أهل الأداء يأبى هذا، ويأبى في هذه السورة إلا ما يلتزم في سائر القرآن، من فصل وتركه، وللطائفتين في ذلك حجج ليس هذا موضع ذكرها.
وكان ابن عبد الوهاب، فيما قال لنا أبو القاسم، ممن ينكر ذلك، وكذلك كان أبو داود.
وقال طاهر بن غلبون، فيما حدثنا به أبو داود عن أبي عمرو عنه: أختار في قراءة ورش وابن عامر وأبي عمرو في خمسة مواضع أن توصل فيها السورة بالسورة التي بعدها من غير فصل بشيء لحسن ذلك، ومشاكلة آخر السورة الأولى لأول التي بعدها، وهي: الأنفال ببراءة، والأحقاف بالذين كفروا، واقتربت بالرحمن، والواقعة بالحديد، والفيل بإيلاف قريش، وهذا كان يستحسنه أبي -رضي الله عنه- وهو كان اختيار محمد بن أبي الحسن الصقلي، فيما أخبرني أبو القاسم عنه.
القسم الرابع:
فأما حكمها في أوائل الأجزاء غير أوائل السور، فقد روينا عن أبي القاسم المسيبي أنه قال: كنا إذا افتتحنا الآية على مشايخنا من بعض السور نبدأ بالتسمية.
وقد روي عن حمزة أنه استشهد بآية، وسمى قبلها، ولم يأت عن أحد من سائر القر اء فيه نص باستعمال التسمية ولا تركها.
واختلف أهل الأداء في ذلك، فمنهم من أخذ للجميع بالتسمية جهرا، ومنهم من أخذ بها مخفاة، ومنهم من أخذ بتركها سرا وجهرا، وهو الذي يأخذ به الأندلسيون، وبه كان يأخذ شيخنا أبو القاسم ويأبي غيره، على أنه أكثر ما قرأ في ذلك بالتسمية، وأما أنا فقرأت عليه لأبي عمرو وورش من الطرق المذكورة في هذا الكتاب بتركها، وللباقين بالتسمية جهرا.
قال أبو جعفر: واختياري التسمية في أوائل الأجزاء لمن فصل بين السور، وتركها لمن لم يفصل.
ونص التسمية عند الجميع: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهي ثابتة على رأس كل سورة في أكثر المصاحف إلا براءة، وقد تقدم القول فيها، وليست: "بسم الله" من القرآن عند أحد من الأئمة، وإن كان بعضهم يرى حكمها حكم الحمد في التلاوة في الصلاة فإن ذلك لا يوجب أن تكون عنده قرآنا، ولو كان عنده قرآنا لكفر من يقول: ليست بقرآن، وهكذا بين هذا القاضي أبو بكر بن الطيب، رضي الله عنه.

.باب الإدغام:

الإدغام أن تصل حرفا ساكنا بحرف مثله من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف، فيرتفع اللسان بالحرفين ارتفاعة واحدة.
والحرف عند لقائه حرفا آخر لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز فيه إلا الإدغام، وقسم لا يجوز فيه إلا الإظهار، وقسم يجوزان فيه.

.شرح الأول: الذي لا يجوز فيه إلا الإدغام

هو أن يكون الحرفان مثلين أولهما ساكن، كقوله تعالى: {مِّن ناصرين} [آل عمران: 22] {يدرككُّم الموت} [النساء: 78]، {فلا يسرف فَّي القتل} [الإسراء: 33]، {فما زالت تِّلْكَ} [الأنبياء: 15]، {واذكر رَّبك} [آل عمران: 41]، {وقد دَّخلوا بالكفر} [المائدة: 61]، و{إذ ذَّهب} [الأنبياء: 87]، و{ربحت تِّجارتهم} [البقرة: 16]، {تسطع عَّليه} [الكهف: 82] و{اذهب بِّكتابي} [النمل: 28] {ومنهم مَّن} [البقرة: 253] في قول من سكن الميم.
وكذا كل حرف ساكن لقي مثله في جميع القرآن، سواء كان ساكن الخلقة أو أصله الحركة، إلا أن يكون الساكن عن حركة قبله ساكن غير حرف مد، وذلك في إدغام أبي عمرو الكبير، فلا يدغم لما فيه من التقاء الساكنين على غير حدة في كلامهم، ولكن يخفى.
أو يكون الساكن ياء أو واوا وما قبلهما من جنسهما، نحو: {آمَنُوا وَعَمِلُوا}، و {فِي يُوسُفَ} [يوسف: 7] ونحوه، فلا بد من الإظهار حملا لهما على الألف مع أنهما في القرآن منفصلان، فلم تقوَ الواو والياء المنفصلتان على الإدغام، كما لم تقو الواو والياء المتصلتان على إدغام الواو والياء في السين في اسم: موسى وعيسى؛ لتباين مخرج الواو والسين؛ لأن الواو من حروف الشفتين، والسين من حروف الفم، فلذلك لم يجز إدغامها في السين، وكذا الياء أيضا، مخرجها وإن كان مقاربا لمخرج السين، فبينهما تباين؛ لأن الياء مخرجها ما بين اللسان والحنك، والسين من طرف اللسان وبين الثنايا، وبينهما بون كبير؛ فلذلك لم تقو الواو والياء على الإدغام في السين في اسم: موسى وعيسى، ولو كان حرفا اللين أيضا قد لقيا مثلهما في كلمة لأظهرتا نحو: قوول وسوير، حملا على قاول وساير، ولا أعلمه جاء في القرآن.
فأما إن كان الأول حرف لين نحو: {عصوا وَّكانوا} [البقرة: 61] و {اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: 93] {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} [الطلاق: 4] في قراءة أبي عمرو والبزي فسبيله سبيل سائر الحروف الصحاح من الإدغام.
قال سيبويه: "وإذا قلت وأنت تأمر: اخشى ياسرا، واخشوا واقدا؛ أدغمت؛ لأنهما ليسا بحرفي مد كالألف، وإنما هما بمنزلة قولك: احمد داود، واذهب بنا، فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام؛ لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فيه سواء، وليس بينهما حاجز".
قال أبو جعفر: وقد روى أبو سليمان عن قالون، والشموني عن الأعشى: {عَصَوْا وَكَانُوا} ونحوه، بإشباع مد الواو وترك الإدغام، ولا يؤخذ به، وله وجه من القياس، وهو حمل الوصل على الوقف.
قال أبو جعفر: فأما {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} فذهب طاهر بن غلبون إلى أنه مظهر في قراءة أبي عمرو والبزي، وتابعه على ذلك عثمان بن سعيد، قالا: لأن البدل عارض مع ما لحق الكلمة من الإعلال إن حذفت الياء من آخرها، وأبدلت الهمزة ياء، فلو أدغمت لاجتمع في ذلك ثلاثة إعلالات، قال طاهر: ولو أدغم ذلك لجاءت به الرواية.
قال لي أبي -رضي الله عنه: ما ذكراه من إظهار ياء {وَاللَّائِي} عند ياء {يَئِسْنَ} خطأ، ولا يمكن فيها إلا الإدغام، وتوالي الإعلال غير مبالى به إذا كان القياس مؤديا إليه، والقياس في المثلين إذا سكن الأول منهما الإدغام في المتصل والمنفصل، ألا ترى أنهم أعلوا الأمر في نحو قولهم: ش ثوبك، ولِ زيدا، إعلالا بعد إعلال، فجمعوا فيه بين حذف الياء التي تحذف في "ارم، واقض" وحذف الواو التي تحذف في "عد، وزن" وليس مثل مضارع "وتد" حين قالوا "يتد" ولم يقولوا: "يد" لأن إدغام المتقاربين في كلمة ليس بقياس، ولو كان قياسا عندهم لم يكرهوا "يد" كما أنه لو كان الإدغام أوجب من حذف الواو لقالوا: يود في "يوتد" فأثبتوا الواو ونقلوا إليها حركة التاء، فتركوا ذلك في المتقاربين كما تركوه في المثلين من كلمتين لئلا تنتقض الأقيسة، وتنخرم الأبواب، على حد ما يشير إليه سيبويه في الكتاب، وقل من يضبط ذلك عنه، وإنما يأخذ في هذا بالإظهار لهما من اعتقد أن الهمزة ملينة بين بين لا مبدلة.
قال أبو جعفر: وسأذكر عبارات القراء لهما في موضعه، فأما سكوتهم عن هذا الحرف فيما أدغم فليس فيه دليل على أنه يجب إظهاره، بل فيه دليل على وجوب الإدغام لكونهما مثلين أولهما ساكن، فالإدغام واجب كما كان واجبا في النظائر، فلوجوب الإدغام فيه استغني عن النص عليه، فثبت بكل ما ذكرنا أن إدغام: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} لأبي عمرو واجب في الإدغام الصغير، فلا وجه لذكره في الإدغام الكبير.
فأما {ماليه، هَّلك} [الحاقة: 28، 29] لمن أثبت هاء السكت وصلا فالأخذ لهم بالإظهار؛ إلا ورشا فالأخذ له بالوجهين من الإظهار والإدغام؛ لأنه قد روي عنه نصا نقل الحركة في: {كِتَابِيَهْ، إِنِّي} [الحاقة: 19، 20] على التشبيه بالأصلي الثابت في جميع أحواله، وقياسه الإدغام، ومن أخذ له في ذلك بغير نقل أخذ له في هذا بالإظهار، وهو الوجه، وكلاهما معمول به، هذا مأخذ المقرئين.
قال لي أبي -رضي الله عنه: وجه الإدغام في: {ماليه، هَّلك} أنه وصول إلى حمل الوصل على الوقف، ثم اعترض فيه التقاء المثلين، فلم يكن بد من الإدغام، فأما من أظهر فإنه واقف لا محالة وإن لم يقطع صوته.

.شرح الثاني: الذي لا يجوز فيه الإدغام

هو ما تباين فيه الحرفان بالمخرج والصفة، فإن تباينا، إما بمخرج وإما بصفة، بعُد الإدغام، ومنه ما يجوز، ومنه ما لا يجوز.
واختلاف المخرج وإن قل، من أسباب الإظهار، وكذلك تباين الصفتين، وكل حرف فيه زيادة صوت لا يدغم فيما هو أنقص صوتا منه؛ لما يلحق الإدغام من الاختلال، لذهاب ما يذهب منه من الصوت، ولا يوصل إلى معرفة ذلك إلا بعد العلم بمخارج الحروف وصفاتها.

.مخارج الحروف وصفاتها:

من مخارج الحروف عند سيبويه ستة عشر مخرجا:
للحلق ثلاثة:
فأقصاها مخرجا: الهمزة والهاء والألف.
والأوسط: العين والحاء.
والأدنى: من الفم الغين والخاء.
الرابع: أقصى اللسان وما فوقه من الحنك: القاف.
الخامس: أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا، وما يليه من الحنك: الكاف.
السادس: وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك: الجيم والشين والياء.
السابع: من بين حافة اللسان وما يليها من الأضراس: الضاد.
الثامن: من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية: مخرج اللام.
التاسع: النون، وهو من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا.
العاشر: مخرج الراء، قريب من مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا؛ لانحرافه إلى اللام.
الحادي عشر: ما بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا: مخرج الطاء والدال والتاء.
الثاني عشر: ما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا: الظاء والثاء والذال.
الثالث عشر: ما بين طرف اللسان وأصول الثنايا السفلى: مخرج الزاي والسين والصاد.
الرابع عشر: من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى: مخرج الفاء.
الخامس عشر: ما بين الشفتين: الباء والميم والواو.
السادس عشر: من الخياشيم مخرج النون الخفيفة.
وصفات الحروف التي تتميز بها: ستة عشر صنفا، كلها يحتاج إليها في الإدغام وهي: المجهورة، المهموسة، الشديدة، الرخوة، المطبقة، المنفتحة، المستعلية، المستفلة، حرفا الغنة، حروف الصفير، حروف المد واللين، الحرف الهاوي، الحرف المستطيل، الحرف المتفشي، الحرف المكرر، الحرف المنحرف.
فالمجهورة تسعة عشر حرفا يجمعها: "ظل قند يضغم زرطا وإذ بعج".

والمهموسة: ما عداها، وهي عشرة أحرف، يجمعها: "سكت فحثه شخص".
والشديدة ثمانية أحرف: الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والباء، والتاء، والدال، وقد جمعها بعضهم فقال: "أدّ طب كج قت".
والرخوة: ما عداها.
والمطبقة أربعة وهي: الطاء، والظاء، والضاد، والصاد.
والمنفتحة: ما عداها.
والمستعلية سبعة أحرف، وهي: الخاء، والصاد، الضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، يجمعها: "ضغط قص خظ".
والمستفلة: ما عداها.
وحرفا الغنة: الميم والنون.
وحروف الصفير: الصاد، والسين، والزاي.
وحروف المد واللين: الألف والياء والواو.
والحرف الهاوي: الألف.
والمستطيل: الضاد.
والمتفشي: الشين.
والمكرر: الراء.
والمنحرف: اللام والراء.
فهذه المخارج والصفات.
ونذكر أشياء جرت عادة القراء بذكرها للخلاف الواقع في بعضها، ولتخوفهم على القارئ من اللحن والإدغام.
من ذلك الفاء: لا يجوز إدغامها في الميم والواو والباء؛ لأنها انحدرت إلى الفم حتى قاربت مخرج الثاء، نحو: {وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ} [الأنعام: 133]، و {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] و {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} [طه: 69]، و {لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ} [العنكبوت: 33]، و {لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ} [الذاريات: 28]، و {ق وَالْقُرْآنِ} [ق: 1] و {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ} [سبأ: 9] وليس في القرآن من الفاء عند الباء غيره، وقد قرأه الكسائي مدغما، ووجهه أنها من حروف الشفة، وأن الباء مجهورة والفاء مهموسة.
ومن ذلك الميم عند الفاء والواو: نحو: {هُمْ فِيهَا}، {يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} [البقرة: 15] و {نَعَمْ فَأَذَّنَ} [الأعراف: 44]، و {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2]، و {عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، و {هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران: 10]، و {مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ} [لقمان: 22] وشبه ذلك حيث سكنت، لا يجوز في شيء منه الإدغام لما فيه من الإخلال بالغنة، فالحكم أن تظهر الميم عندهما، وتبين بيانا حسنا من غير تكلف.
وحدثنا أبي -رضي الله عنه- حدثنا الحسين بن عبيد الله الحضرمي، حدثنا عبد الوهاب بن محمد، حدثنا الأهوازي قال: قرأت لابن برزة عن الدوري، يعني عن أبي عمرو بإخفائها عندهما، وهو مذهب أبي العباس المعدل وأبي علي الحريري وأبي جزء العدوي وغيرهم من قَرَأَة البصريين، وهو اختيارهم في سائر القراءات، قال: وقرأت على ابن جرير عن السوسي بإخفائها عند الفاء وحدها حيث سكنت عندها، وهو مذهب الفضل بن شاذان وبنيه وغيرهم من قرأة الرازيين، قال: وقرأت للباقين -يعني من السبعة- بإظهارها حيث سكنت عندهما، بيانا حسنا من غير إفحاش ولا تنفير، وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد وأبي الحسن بن شنبوذ وأبي الحسين بن المنادي وأبي الحسين بن بويان وأبي بكر بن مقسم وأبي بكر النقاش، وأبي طاهر بن أبي هاشم، وغيرهم من قرأة البغداديين، وهو اختيارهم، وعلى ذلك وجدت أئمة القراءة بمدينة السلام، انتهى كلام الأهوازي.
وسنذكر ما جاء عن الكسائي من إدغام الميم عند الفاء.
من ذلك الميم عند الباء: نحو: {كَذَّبْتُمْ بِهِ} [الأنعام: 57]، و {آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137]، و {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} [آل عمران: 101]، و {أَنْ بُورِكَ} [النمل: 18]، و {هَنِيئًا بِمَا} [الطور: 19]، و {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: 18] ونحوه كثير.
فاختلفت عبارات القراء عنه بعد إجماعهم، إلا من شذ، وسنذكره على أن الإدغام لا يجوز.
فقال ابن مجاهد: والميم لا تدغم في الباء لكنها تخفى؛ لأن لها صوتا من الخياشيم تواخي به النون الخفيفة، قال: وهو قول سيبويه.
وإلى هذا ذهب أبو الحسن الأنطاكي، وأبو الفضل الخزاعي، وعثمان بن سعيد، وبه كان يأخذ أصحابه فيما ذكر لي أبي -رضي الله عنه- وكذلك أخذ على عياش بن خلف عن قراءته على محمد بن عيسى، ويحكى أنه مذهب الفراء.
وقال أبو الحسين بن المنادي، وأحمد بن يعقوب التائب، وعبد الباقي بن الحسن، وطاهر بن غلبون، وغيرهم: هي مظهرة غير مخفاة.
وقال لي عياش بن خلف، قد روي هذا أيضا عن ابن مجاهد نصا، فحدثنا أبو داود قال: قال لنا عثمان بن سعيد: رواه أحمد بن صالح عن ابن مجاهد نصا.
وقال لي أبو الحسن بن شريح فيه بالإظهار، ولفظ لي به، فأطبق شفتيه على الحرفين إطباقا واحدا، وروى أحمد بن أبي سريج عن الكسائي إدغام الميم في الباء والفاء.
قال الخزاعي: وإدغامها في الفاء اختيار خلف في رواية الحلواني عنه.
وقرئ على أبي القاسم وأنا أسمع، عن أبي معشر، عن الحسين بن علي، عن الخزاعي قال: سمعت أبا بكر الشذائي يقول: إدغام الميم في الفاء لحن.
قال لي أبي -رضي الله عنه: المعول عليه إظهار الميم عند الفاء والواو والباء، ولا يتجه إخفاؤها عندهن إلا بأن يزال مخرجها من الشفة، ويبقى مخرجها من الخيشوم، كما فعل ذلك في النون المخفاة.
وإنما ذكر سيبويه الإخفاء في النون دون الميم، ولا ينبغي أن تحمل على النون في هذا؛ لأن النون هي الداخلة على الميم في البدل في قولهم: شنباء وعنبر، و {صُمٌّ بُكْمٌ} فحمل الميم عليها غير متجه؛ لأن للنون تصرفًا ليس للميم، ألا ترى أنها تدغم ويدغم فيها، والميم يدغم فيها ولا تدغم، إلا أن يريد القائلون بالإخفاء انطباق الشفتين على الحرفين انطباقا واحدا، فذلك ممكن في الباء وحدها في نحو: أكرم بزيد، فأما في الفاء والواو فغير ممكن فيهما الإخفاء إلا بإزالة مخرج الميم من الشفتين، وقد تقدم امتناع ذلك، فإن أرادوا بالإخفاء أن يكون الإظهار رفيقا غير عنيف فقد اتفقوا على المعنى، واختلفوا في تسميته إظهارا أو إخفاء، ولا تأثير لذلك.
وأما الإدغام المحض فلا وجه له.
وقال لي: وما ذُكر عن الفراء من إخفاء النون عند الباء فوجه ذلك أنه سمى الإبدال إخفاء، كما سمى الإدغام في موضع آخر من كتابه إخفاء، فيرجع الخلاف إلى العبارة لا إلى المعنى، إذ الإخفاء الصحيح في هذا الموضع لم يستعمله أحد من المتقدمين والمتأخرين في تلاوة، ولا حكوه في لغة.
وكذلك ما ذُكر عن ابن مجاهد في إخفاء الميم عند الباء قول متجوز به على سيبويه، فعلق عبارة الفراء على مذهب سيبويه، فإن كان عنده من التحصيل ما عند الفراء فعذره ما ذكرنا، وإن كان أراد غير ذلك فهو افتيات على سيبويه.
قال أبو جعفر: ولا خلاف في إظهار الميم الساكنة عند الياء، نحو: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: 62]، و {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، و {أَهُمْ يَقْسِمُونَ} [الزخرف: 32] وما أشبه ذلك.
وكذلك عند سائر حروف المعجم سوى مثلها، لا يجوز الإدغام في شيء من ذلك.
والميم لا تدغم في مقاربها لما ذكرناه من المزية بالغنة، ويدغم مقاربها فيها.
ومن ذلك القاف عند الكاف، والكاف عند القاف: البيان والإدغام جائزان عند البصريين فيهما، فالإدغام لتقاربهما في المخرج، والإظهار لاختلاف الصفتين؛ لأن القاف مجهورة، والكاف مهموسة، فالكاف عند القاف نحو: انهك قطنا، ولا أعلمه جاء في القرآن.
والقاف عند الكاف موضع واحد، وهو قوله -عز وجل- في المرسلات: {ألم نخلقكُّم من ماء} [المرسلات: 20].
وذكر أبو علي الأهوازي إظهار القاف في "الإيضاح"، وأنه قرأ لابن جماز عن نافع: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} بإظهار القاف.
وصار أهل الأداء بعدُ لسائر القراء فيه فرقا ثلاثا؛ ففرقة ذهبت إلى الإدغام البتة وإذهاب الصوت، وهو مذهب ابن مجاهد، وأبي الحسن الأنطاكي، وأبي الحسن الحوفي، وأبي عمرو عثمان بن سعيد.
فحدثنا أبو داود قال: حدثنا أبو عمرو قال: قال ابن مجاهد في كتاب "قراءة نافع": وما ذكر بعض الرواة عن نافع من إظهار قاف {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} يريد بيان قلقلتها، كبيان إطباق الطاء إذا أدغمت في التاء، فلا عمل عليه لذهاب الجهر الذي في القاف "يريد" بالقلب والإدغام.
قال أبو جعفر: حمل ابن مجاهد رواية ابن جماز على أنه لا يراد بها الإظهار المحض، وهو خروج عن الظاهر من غير ضرورة إلى ذلك.
وحدثنا أبو الحسن بن كرز، حدثنا أبو القاسم بن عبد الوهاب، حدثنا الأهوازي قال: سمعت أبا عبد الله اللالكائي يقول: الجماعة على إدغامه إلا شيئا يروى عن قالون عن نافع لا يعول عليه.
وقال أبو الحسن الأنطاكي في كتابه عن نافع: إنه كان يدغم القاف في الكاف ولا يبقى منها صوتا، ولا خلاف بين القراء في ذلك، ومن حكى غير ذلك عن بعضهم حكى غلطا.
وإلى هذا ذهب عثمان بن سعيد وقال: إن القلقلة إنما هي في الوقف لا في الوصل، وقد صدق، ولكن الكلام معه في الاستعلاء لا في القلقلة.
وفرقة ذهبت إلى الإدغام وإبقاء الصفة التي هي الاستعلاء والجهر، وهو مذهب أكثر الناس.
قال الأهوازي: قرأت عن الجماعة بإدغام القاف وإبقاء صوتها عند الكاف.
وقال أبو عبد الله محمد بن سفيان ردا على الأنطاكي في كلامه المختلف قبل: القراء مجمعون على خلاف ما قال، ولا يدغم منهم أحد القاف في الكاف حتى يبقي صوت القاف، وذلك أن القاف مجهورة، وهي حرف قلقلة واستعلاء، فلو لم يبق منها صوت لاختلّت، إذ كان إدغامها في حرف مهموس لا قلقلة فيه ولا استعلاء، ألا ترى أنهم أجمعوا على بقاء صوت الإطباق من الطاء إذا أدغموها في التاء في قوله: {أحطتُّ} [النمل: 22]، و{بسطتّ} [المائدة: 28] وهذا مما أقر به هو أنه إجماع من القراء.
والفرقة الثالثة ذهبت إلى البيان، فقرأت على أبي الحسن بن كُرز عن ابن عبد الوهاب قال: سمعت الأهوازي يقول: سمعت أبا الفرج الشنبوذي يقول: كان أبو بكر النقاش يظهرها عن ابن كثير وعاصم، ويدغمها عن الباقين، فذكرت ذلك لأبي إسحاق الطبري فقال: تخطئون على شيخنا، إنما أراد إظهار صوت القاف.
قال الأهوازي: وذكرت ذلك لأبي الحسين بن أبي المعتمر، فقال لي: لا يصح إظهار صوت القاف إلا بعد تغليظ اللام.
قال: وذكر لي أبو علي أن بعضهم كان يروي عن ابن الأخرم، عن ابن ذكوان الإظهار من غير إفراط.
قال أبو جعفر: الحكاية عن الأصبهاني ليست نص روايتي عن ابن كرز، بل نقلتها على المعنى.
قال أبو جعفر: الأخذ بالبيان ليس عليه عمل، وأنت مخير في إبقاء الصفة مع الإدغام أو إذهابها، وكأن إجماعهم على إبقاء الإطباق في {أَحَطْتُ} يقوي إبقاء الاستعلاء هنا، وكلا الوجهين مأخوذ به، والله أعلم.
ومن ذلك الظاء عند التاء: وهو موضع واحد في الشعراء، قوله تعالى: {أَوَعَظْتَ} [163] فالقراء على الإظهار فيه، وقد روى عباس عن أبي عمرو، وذكر عن ابن سعدان عن اليزيدي عنه، وعن نصير عن الكسائي إدغامها فيها وإذهاب صفتها، فتكون في السمع مثل: أوعدت، من الوعد، وهو جائز.
وذكر الأهوازي عن جماعة، وعن نصير أيضا إدغامها وإبقاء صفتها، وهو جائز حسن، ولكن أهل الأداء يأبون ذلك، ولا يأخذون فيه إلا بالإظهار، وكأنهم عدلوا عن الإدغام لما فيه من اللبس.
ومن ذلك الضاد عند التاء والجيم واللام والطاء: لا خلاف في إظهاره عندهن، مثل قوله تعالى: {فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، و {أَقْرَضْتُمْ} [المائدة: 12]، و {مَرِضْتُ} [الشعراء: 80]، و {فَقَبَضْتُ} [طه: 96]، و {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} [الحجر: 88]، و {وَاخْفِضْ لَهُمَا} [الإسراء: 24]، و {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173]، و {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وما أشبه ذلك.
ولا يجوز الإدغام لمزية الضاد، والضاد من الحروف التي لا تدغم في مقاربها، ويدغم مقاربها فيها، وهي سبعة، وهي: الطاء، والدال، والتاء، والظاء، والذال، والثاء، واللام، فقولك: حط ضمانك، ورد ضاحكا، وشدت ضفائرها، واحفظ ضأنك، وخذ ضرمك، ولم يلبث ضاربا، والضاحك.
والمزايا التي لا تذهب للإدغام خمس، وهي الاستطالة والتفشي والتكرير والصفير والغنة، على أنه قد جاء عن بعض المتقدمين من القراء غير السبعة إدغام الضاد عند الطاء في {اضْطُرَّ} وبابه، وله وُجَيه قد نص عليه سيبويه ليس هذا موضع ذكره.
ومن ذلك الراء الساكنة عند اللام، نحو: {نَّغفر لكم} [البقرة: 58]، و {يُغْفَرْ لَهُمْ} [الأنفال: 38]، و{وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286]، و {يَنْشُرْ لَكُم} [الكهف: 16]، و {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم: 65] ونحوه.
وجملة ما في القرآن منه اثنان وخمسون موضعا، أجمع القراء على الإظهار فيها لما في الإدغام من الإخلال بالصفة، إلا ما رووا عن أبي عمرو من الإدغام في كل ذلك، في الكبير والصغير، على أن أبا زيد روى عنه الإظهار كالجماعة، وهي رواية ابن جبير عن اليزيدي عنه، وهو مذهب سيبويه، وإليه رجع ابن مجاهد أخيرا، كما حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، حدثنا مكي بن أبي طالب، حدثنا أبو الطيب قال: أخبرنا أبو سهل أن ابن مجاهد كان قديما يأخذ بالإدغام في قراءة أبي عمرو، يعني إدغام الراء في اللام، ثم رجع إلى الإظهار قبل موته.
قال أبو الطيب: فذاكرت أبا الفتح بن بدهن بما عرفني به أبو سهل فقال: هو كما قال.
وحدثنا أبو داود، حدثنا أبو عمرو، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا ابن مجاهد عن أصحابه، عن اليزيدي، عن أبي عمرو بالإدغام، ولم يذكر خلافا ولا اختيارا، وبالإدغام يأخذ القراء، وكأن المسهل له قرب المخرج، وامتنع عند سيبويه لما فيه من إذهاب التكرير.
ومن ذلك السين عند التاء نحو: {نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 14]، و {اسْتَطَعْتَ} [الأنعام: 35]، و{مُسْتَضْعَفُونَ} [الأنفال: 26]، ونحو ذلك كثير، لا يجوز فيه الإدغام للإخلال بالصفير.
ومن ذلك العين عند الغين، والغين عند العين، والحاء عند العين، والعين عند الحاء، والحاء عند الهاء نحو: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}، و {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ} في الموضعين في [النساء: 115]، و {أَفْرِغْ عَلَيْنَا} [البقرة: 250]، و {أُفْرِغْ عَلَيْهِ} [الكهف: 96]، و {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [الزخرف: 89] {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ} [النور: 21].
ولا أعلم الحاء عند الهاء جاءت في القرآن، وهو نحو: "امدح هلالا" فالإدغام في هذا كله ممتنع.
وحروف الحلق التي تدغم: الهاء والعين والحاء والخاء والغين، فما كان منها أدخل في الحلق لم يدغم فيه الأدخل في الفم.
ومن ذلك لام "قل" عند السين والصاد والنون والتاء نحو: {قُلْ سَمُّوهُمْ} [الرعد: 33]، و {قُلْ سَأَتْلُو} [الكهف: 83]، و {قُلْ سَلامٌ} [الزخرف: 89]، و {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران: 95]، و {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ} [التوبة: 81]، و {قُلْ نَعَمْ} [الصافات: 18]، و {قُلْ تَعَالَوْا} [الأنعام: 151]، و {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: 30] ونحوه، لا خلاف في إظهاره.
فأما عند الراء فلا خلاف في إدغامها للقرب الذي بينهما، واشتراكهما في الجهر، إلا ما روى أبو سليمان عن قالون من إظهارها عندها حيث وقع، نحو: {قل رَّب إما} [المؤمنون: 93]، و{قل رَّبي أعلم} [الكهف: 22] والعمل فيه على الإدغام.
ومن ذلك لام "بل" عند الجيم نحو: {بَلْ جِئْنَاكَ} [الحجر: 63]، و {بَلْ جَاءَهُمْ} [المؤمنون: 70]، و{بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ} [الصافات: 37] وشبهه.
لا يجوز فيه الإدغام لتباعد المخرجين، كما لا يجوز إدغام الباء في الجيم للتباعد بالصفة.
فأما لام "بل" عند الراء، نحو: {بَلْ رَبُّكُمْ} [الأنبياء: 56] فهو مدغم عند الجميع إلا ما روى أبو سليمان عن قالون أنه أظهره، ونذكر مذهب حفص في {بَلْ رَانَ} [المطففين: 14] في موضعه.
ومن ذلك اللام الساكنة عن حركة عند النون نحو: جعلنا، وأرسلنا، وبدلنا، و {يُبَدِّلْ نِعْمَةَ} [البقرة: 112]، و {فَيَظْلَلْنَ} [الشورى: 33] ونحوه حيث وقع.
لا خلاف بينهم في إظهارها عندها، ويختلف بعض القَرَأَة في صورة اللفظ بها، فمنهم من يجوده، وينطق بالساكن مظهرا على واجبه من غير إفحاش، ومنهم من يعنف في ذلك إرادة إشباع الإظهار، فربما حرك اللام وأحدث حرف مد قبلها، وذلك لحن جلي، ومنهم من يدغم، وذلك أيضا لحن.
ومن ذلك دال "قد" وذال "إذ" وتاء التأنيث عند ما عدا الحروف التي اختلفت القراء في إظهارها وإدغامها، هن مظهرات عندهن.
وهذا كافٍ في هذا الباب، من علمه قاس عليه ما لم أذكره إن شاء الله.

.شرح الثالث: الذي يجوز فيه الإظهار والإدغام

هو ما حصلت فيه علة كل واحد منهما، من البعد والقرب، فقد يكون الإدغام في العربية أوجه، وقد يكون الإظهار أوجه، وقد يكونان متساويين على قدر القرب والبعد.
وهذا الباب طريقه الرواية، وإنما يرتدف التعليل على مروي، وهو ينقسم عند القراء قسمين: إدغام كبير، وإدغام صغير.